بقلم /أمنية رجب
رسوم /سارة الشيال
وفي يوم افتتاح حديقة الحيوان استعدت جميع الحيوانات لإستقبال الأطفال واللعب معهم و قد بدأ العد التنازلي لفتح باب الحديقة وبدأ الثعبان يتصبب عرقا خوفا من صراخ الأطفال ، ففي كل مرة يرونه فيها يخافون ويصرخون.
ولم تختلف تلك المرة عن المرات التي سبقتها فما أن وقف الأطفال بجوار بيت الثعبان حتى بدأ صوت صراخ الأطفال يملأ المكان وهنا قرر الثعبان أن اليوم هو آخر يوم يقضيه هنا في حديقة الحيوان.
وبالفعل عندما حل الظلام تسلل الثعبان إلى خارج جدران حديقة الحيوان وفي رأسه هدف واحد كيف ينتقم من هؤلاء الأطفال ويزيدهم خوفاً وفزعاً فقد حاول كثيرا أن ينال حبهم وأن يكون صديقهم إلا أن كل جهده ذهب هباء.
وقد بدأ بالبحث عن مدارس الأطفال وكلما وجد مدرسة اختبأ فيها ينتظر قدوم الطلاب ليفزعهم وأخذ الأمر يتكرر وبدأ الرعب ينتشر بين طلاب المدارس.
وفي يوم من الأيام وبعد انتهاء اليوم الدراسي جلست معلمة الموسيقى مع الناي والمزمار لتعزف أحلى الألحان وتسربت الألحان لتملأ المكان ولمست قلب الثعبان الذي توجه بنفسه لمصدر الألحان وصار يتراقص على الأنغام وها قد تلاقى الإثنان الثعبان ومعلمة الألحان ولم يفزع أحد منهم من الآخر بل تآلف القلبان وأصبحا صديقين وبعدها بدأ الكلام .
وسألته صديقته : لماذا يتعمد إخافة الأطفال ؟
الثعبان : هم الذين يسارعون بالصراخ إذا رأوني في أي مكان ومهما حاولت أن أكون لطيفا معهم لا يفهمون ولا لأي جهد أقوم به يقدرون.
صديقته : ولكنك يا صديقي حقا تؤذي الإنسان!!
الثعبان : والأسد يؤذي الإنسان أيضا ولكن الأطفال كلهم يحبونه ويذهبون إليه ويحيونه فلماذا أنا وحدي أحاسب على أخطائي ولا يحاسب الآخرون؟؟
صديقته : الآن قد تذكرت نفسي عندما كنت صغيرة فدوماً كنت ألقي بالخطأ على غيري لم أرى في أي موقف أو أي مسألة أني مخطئة كنت دوما أرى خطأ الآخرين وأغمض عيني عن خطأي ولذا كنت دوماً أخطئ حتى أخطأت ذات مرة وكان ثمن خطأي أن خسرت أحد أصدقائي إلى الأبد ويومها تعلمت أن كان علي أن أتعلم كيف أعترف بأخطائي واصححها وأعتذر كلما أخطأت.
الثعبان : وبعد هذا كله أصبحت أنا المخطئ ولا أحد غيري!
الصديقة : بل غيرك كثير يا صديقي مخطئون ، ولكنك لا تملك إصلاحهم وتعديل سلوكهم.
الثعبان : ولكن هناك أشياء قد خلقت بها لا أستطيع تغيرها، فماذا أفعل بالسم في لساني وحدة أسناني وعضلاتي وقوة بنياني!!!
الصديقة : يمكن أن نحول عيوبنا مزايا ويمكن أن تكون مزايانا عيوب!!
في البداية عليك أن تعترف أنك أخطأت في حق الأطفال عند اخافتهم ، فهل أنت معترف بهذا الخطأ أم لا؟؟؟
الثعبان : وهل سيتغير شئ إذا اعترفت بالخطأ؟؟
الصديقة : نعم يا صديقي وقتها سيمدك عقلك بالعديد من الأفكار لتغير حالك وأفعالك وتصبح صديق الأطفال.
الثعبان :إن كان الأمر كذلك فأنا أعترف بخطأي، نعم ما كان علي أن أخيف الأطفال وأفزعهم، أنا أخطأت وأعتذر؟
الصديقة : لكن ينبغي عليك أن تعتذر للأطفال الذين أخطأت في حقهم.
الثعبان : وكيف أعتذر لهم وهم يخافون مني ولا يريدون التحدث معي؟
الصديقة : علينا أولاً أن نقوم ببعض الأشياء حتى تحضر نفسك للقاء الأصدقاء وسيكون هذا في الصباح أما الآن فنحن نحتاج إلى قسط من الراحة والنوم
ولم ينم الثعبان ولم يستطع أن يغمض عينيه وجذبه منظر الغابة المجاورة للمنزل وتلك الألوان التي تملؤها ولم يصدق عيناه عندما رأى البوم بريش ملون على الأغصان، وهنا قرر أن يتسلل إلى خارج الجدران ويسأل البوم عن الألوان فربما إن غير لونه وعدل فعله أحبه الأطفال وصار صديقاً لهم.
ولما تحدث إلى البوم وقص عليهم ما كان من خطئه فاقترحت عليه عجوزة البوم أن يعطوه بعض الألوان ليتلون بها ويقدم نفسه للأطفال على أنه البهلوان مقابل أن يستخدم تلك الأسنان التي تميز الثعبان في حفر بيوت للطيور بين الأغصان، ولمعت الفكرة في ذهن الثعبان وقام لتنفيذها في الحال.
وبعدها اشترك الثعبان في سيرك الحيوان ليؤدي دور البهلوان وكلما اقترب دوره زادت ضربات قلبه وتردد في لقاء الأطفال وبينما هو متردد ويفكر إذ فتح الستار وأصبح في مواجهة الصغار وإذ بالتصفيق يملأ المكان فيزيد حماس الثعبان ويتحول حقاً إلى بهلوان يقفز ويقع ويضحك الأطفال، يأكل البيض كله فيمتلأ فمه ولا يستطيع الكلام، يربط نفسه حول الكراسي فتقع على الأرض ويقع من عليها من بني الإنسان، ولكنه في حماسه نسي ما كان من تحذير البوم له من ذوبان الألوان وإذ به يقفز في الماء ويتحول البهلوان إلى ثعبان بلا ألوان، ومن جديد بدأ الصراخ يملأ المكان.
وهنا هرب الثعبان سريعاً وعاد إلى بيت صديقته حزيناً وحكى لها ما كان
الصديقة : أنت تريد تغيير الأحوال لذا يلزمك تغيير الأفعال لا تغيير الأشكال.
الثعبان: كيف؟؟! كيف ذلك يا صديقتي؟
الصديقة : حسنا هيا بنا وستعلم إلى أين وكيف.
وكانت الزيارة الأولى إلى الطبيب حيث كان عليه أن يتخلص من تلك المادة السامة التي يخفيها في فمه وعندما انتهى الطبيب توجه بالشكر للثعبان وأثنى على فعله وتعجب الثعبان وسأل صديقته : ولما يشكرني الطبيب الآن؟؟
الصديقة: لأنه سوف يستخدم هذا السم في صناعة بعض العلاجات اللازمة للأطفال، وهنا فرح الثعبان وطلب من الطبيب أن يلصق صورته على دواء الأطفال.
فأجابه الطبيب : حسناً بكل سرور.
الصديقة :أما الآن فيجب علينا أن نفكر في استخدام نافع للأسنان لا تضر به بني الإنسان !!!
الثعبان : لا تقلقي يا صديقتي فقد علمني البوم طريقة أساعد بها كل الطيور في بناء عشش وقصور.
الصديقة :أما الآن فأنا فخورة بك يا صديقي الثعبان ،الآن سيحبك الجميع لأجل فعلك البديع.
ولكن الثعبان مازال لديه من سئ الأفعال ما يخشى أن يرعب الأطفال، فإذ إلتف بجسده الكبير حول الأطفال سيسبب لهم أذى كبير، وجلس هو وصديقته يفكران كيف يستخدمان قوة الثعبان في مساعدة البنات والصبيان، ومرت الأيام وما زالا يفكران. إلى أن عادت المدرسة من المدرسة ذات يوم وقد ارتسم السرور على وجهها وبدا الإرتياح في كلامها
وبدأت تحكي للثعبان عن الفتاة التي انتقلت إلى المدرسة اليوم وكيف أنها فتاة ذكية ومهذبة ولكنها مختلفة في قدراتها وحيدة في صفها، انها تحتاجك أيها الصديق لتدفع عنها ما هي فيه من ضيق.
الثعبان : أحد يحتاجني وفيما الإحتياج ؟!
الصديقة :أنها تجلس على كرسي وينبغي عليها أن تدفعه بيديها إذا أرادت الحركة وقد اعتادت على ممارسة لعبة كرة السلة قبل أن تصاب في حادث وتجلس على الكرسي، وقد نصحها الأطباء بممارسة جميع الأنشطة التي كانت تقوم بها قبل الحادث لتتحسن نفسيتها وتعيش الحياة على طبيعتها.
الثعبان : وما دوري أنا بعد كل هذا الكلام؟؟!
الصديقة : ستجر لها الكرسي بجسدك القوي عندما تمسك هي الكرة لتتحرك بها نحو مرمى الأهداف، وإذا وافقت عليكما أن تتدربا سويا لتفهما لغة الإشارة بينكم وتستطيعوا الحركة بسرعة وتسجيل الأهداف.
وتحمس الثعبان للفكرة وبدأ يتدرب مع الفتاة كل يوم في الفناء حتى جاء يوم الحسم والجزاء ولعب الاثنان بكل حسم وإتقان حتى فاز فريق الفتاة والثعبان بفضل ما حققه الإثنان ومن يومها أصبح الثعبان أحب إلى الأطفال من أي حيوان بعد أن غير فعله وابتعد عن اللوم وكثرة الكلام.